العوده ..بقلم / ابراهيم فهمى المحامى
تتوالى الأمسيات ... وتتعاقب الأيام ... وتمضى الأحداث بنا من حالة الى حاله .... ومن وضع الى وضع...ومن شعور الى شعور.
وقد تبعد بنا المسافات عن بعض الذكريات القديمه أو التى صارت ذكريات ماضيه بما حملت معها من أزهار وأشواك ....ونج أنفسنا أمام شىْ آخر يرسمه لنا الزمن .
شىْ يخلو من الحركه والحيويه والعنفوان ...... شىْ كسيح يتنفس فقط هواء الذكريات ولا تُبصر عيناه سوى أطلال الزمن الماضى .
كانت كل هذه الأفكار تدور فى ذهنى حين عدت الى قريتى الساحليه التى كانت تُشرف منازلها على شاطىْ البحر المتوسط ... وكان منزل أسرتى بيت صغير وسط بيوت الصيادين عباره عن دور واحد فقط .
وكانت معظم المنازل فى ذلك الوقت منذ حوالى 27 سنه عباره عن دور واحد بسيط .
حين خرجت من عباءة أسرتى وقررت النزوح الى القاهره بلد الزحام ... حيت تتوه الناس فيها
ولا يعرف هناك احد أحد .
كان عمرى وقتها 17 سنه حين حصلتُ على شهادة الثانويه العامه وقررت السفر الى القاهره بحجة استكمال دراستى هناك .
وهناك بالقاهره استهوتنى فى بادىْ الأمر حياة الوحده والحريه والسهر .... ولم تكن الدراسه أو الشهاده الجامعيه محل اهتمامى أو حلم من أحلامى .
حيث عملت فى مصنع للرخام وراق لى العمل بالرغم من التعب الشديد ولكنى قررت أن أصل فيه الى ما لم أحلم به من خلال الشهاده الجامعيه .
وتقدمت جدا فى عملى واحرزت نجاحاً غير متوقع .
وكما يقولون أن فرصه تُجلب فرصه أفضل فقد حدث أن جاءتنى فرصه للسفر الى الصين للعمل بمصنع هناك من خلال بعض المهندسين الذين أشرفوا على صيانة المكن فى المصنع .
ومكثت فى الصين حوالى 18 سنه واستطعت بفضل الله أن أدخر ثروه لا بأس بها .
ولم أزر مصر منذ سافرت الى الصين ولا مره ولم أراسل أحد حيث كنت مشغولاً جداًُ بنفسى وبأحلامى التى صارت قريبه من يدى ....فانقطعت كل صلتى بموطنى .. الى أن استبد بى الشوق والحنين الى قريتى على ساحل البحر المتوسط (قرية الصيادين ).
ولم يكن ذلك هو السبب الوحيد فقد غزا قلبى بعض أمراض الشرايين وخفت أن تسوء حالتى وأنا بعيد عن موطنى وعن قريتى وأهلى فقررت العوده .
ولم أكن بنفس الحال التى كنت عليها قبل الرحيل .... كما أن القريه وأهلها لم يظلّوا على تلك الحال التى تركتهم عليها .
شىْ ما قد تغير فيهم وفى ملامحى .... ولا أقصد مجرد اللون الأبيض الذى زحف الى مفارق شعرى وسوالفه .... ولكن شاخت نفسى وهذل جسدى وصرت كرجلٍ كسيح أتنفّس فقط هواء الذكريات..... ولا تلمح عيناى سوى أطلال من الماضى لازالت عالقه فى عقلى وقلبى .
لم أجد أحداً من أسرتى حياً...ولم تبق حبيبتى التى تركتها ورحلت تنتظرنى بل تزوجت وأصبحت أماً وأوشكت أن تكون جده .
بيوت الصيادين نفسها لم تعد كما كانت دوراً واحداً بل صارت قريه سياحيه وفندق كبير وشاليهات فاخره .
تغيّر كل شىْ فى المكان .... ربما الى الأجمل فى الشكل ولكن ماتت أشياء أخرى لا يستطيع شىْ فى الدنيا أن يحييها مره أخرى .
ماتت ذكريات جميله ورفيق الطفوله ووالدى ووالدتى .... وتزوجت الفتاه الوحيده التى أحببتها ولم أتزوج غيرها حتى الآن .
اُغتيلت البساطه والطبيعه والفطره فى المكان على أيدى المدنيه الحديثه .
0 التعليقات